فصل: باب صلاة الخوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وفيه دليل على تقديم الدعاء على الصلاة ولم يصرح بلفظ الخطبة والخطبة عند مالك والشافعي بعد الصلاة وفي حديث عن أبي هريرة يقتضيه.
وفيه دليل على استقبال القبلة عند الدعاء مطلقا.
وفيه دليل على الجهر في هذه الصلاة والتحويل المذكور في الحديث يكتفي في تحصيل مسماه بمجرد القلب من اليمين إلى اليسار والله أعلم.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم. قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله تعالى يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا» قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل النرس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب الناس فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر», قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.
قال رحمه الله: الظراب: الجبال الصغار.
هذا هو الحديث الذي أشرنا إليه أنه استدل به لأبي حنيفة في ترك الصلاة والذي دل على الصلاة واستحبابها لا ينافي أن يقع مجرد الدعاء في حالة أخرى وإنما كان هذا الذي جرى في الجمعة مجرد دعاء وهو مشروع حيثما احتيج إليه ولا ينافي شرعية الصلاة في حالة أخرى إذا اشتدت الحاجة إليها.
وفي الحديث علم من أعلام النبوة في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيبه أو معه وأراد بالأموال: الأموال الحيوانية لأنها التي يؤثر فيها انقطاع المطر بخلاف الأموال الصامتة.
والسبل الطرق وانقطاعها إما بعدم المياه التي يعتاد المسافر ورودها وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض.
وفيه دليل على استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء فمن الناس من عداه إلى كل دعاء ومنهم من لم يعده لحديث عن أنس يقتضي ظاهره عدم عموم الرفع لما عدا الاستسقاء وفي حديث آخر استثناء ثلاثة مواضع منها الاستسقاء ورؤية البيت وقد أول ذلك على أن يكون المراد رفعا تاما في هذه المواضع وفي غيرها دونه بدليل أنه صح رفع اليدين عنه صلى الله عليه وسلم في غير تلك المواضع وصنف في ذلك شيخنا أبو محمد المنذري رحمه الله جزءا قرأته عليه.
والقزع: سحاب متفرق والقزعة واحدتها ومنها أخذ القزع في الرأس وهو أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه وسلع: جبل عند المدينة.
وقوله ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار تأكيد لقوله وما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة لأنه أخبر أن السحابة طلعت من وراء سلع فلو كان بينهم وبينها لأمكن أن تكون القزعة موجودة لكن حال بينهم وبين رؤيتهم ما بينهم وبين السلع من دار لو كانت.
وقوله ما رأينا الشمس سبتا أي جمعة وقد بين في رواية أخرى.
وقوله في الجمعة الثانية هلكت الأموال أي بكثرة المطر وفيه دليل على الدعاء لإمساك ضرر المطر كما استحب الدعاء لنزوله عند انقطاعه فإن الكل مضر.
والآكام: جمع أكم كأعناق جمع عنق والأكم جمع إكام مثل كتب جمع كتاب والإكام جمع أكم مثل جبال جمع جبل والأكم والأكمات جمع الأكمة وهي التل المرتفع من الأرض والظراب جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي صغار الجبال.
وقوله: «بطون الأودية ومنابت الشجر» طلب لما يحصل المنفعة ويدفع المضرة وقوله وخرجنا نمشي في الشمس علم آخر من أعلام النبوة في الاستصحاء كما سبق مثله في الاستسقاء والله أعلم.

.باب صلاة الخوف:

1- عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة وقضت الطائفتان ركعة ركعة».
جمهور العلماء على بقاء حكم صلاة الخوف في زماننا كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه ونقل عن أبي يوسف خلافه أخذ من قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] وذلك يقتضي تخصيصه بوجوده فيهم وقد يؤيد هذا بأنها صلاة على خلاف المعتاد وفيها أفعال منفية فيجوز أن تكون المسامحة فيها بسبب فضيلة إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم والجمهور يدل على مذهبهم دليل التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم والمخالفة المذكورة لأجل الضرورة وهي موجودة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما هي موجودة في زمنه ثم الضرورة تدعو إلى أن لا يخرج وقت الصلاة عن أدائها وذلك يقتضي إقامتها على خلاف المعتاد مطلقا أعني في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده فإذا ثبت جوازها بعد الرسول على الوجه الذي فعله فقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم فيها وجوه مختلفة في كيفية أدائها تزيد عن العشرة فمن الناس من أجاز الكل واعتقد أنه عمل بالكل وذلك إذا ثبت أنها وقائع مختلفة قول محتمل ومن الفقهاء من رجح بعض الصفات المنقولة. فأبو حنيفة ذهب.
إلى حديث ابن عمر هذا إلا أنه قال أنه بعد سلام الإمام تأتي الطائفة الأولى إلى موضع الإمام فتقضي ثم تذهب ثم تأتي إلى الطائفة الثانية إلى موضع الإمام فتقضي ثم تذهب وقد أنكرت عليه هذه الزيادة وقيل أنها لم ترد في حديث.
واختار الشافعي رواية صالح بن خدوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف واختلف أصحابه لو صلى على رواية ابن عمر هل تصح صلاته أم لا؟ فقيل: أنها صحيحة لصحة الرواية وترجيح رواية صالح من باب الأولى.
واختار مالك ترجيح الصفة التي ذكرها سهل بن أبي حثمة التي رواها عنه في الموطأ موقوفة وهي تخالف الرواية المذكورة في الكتاب في سلام الإمام فإن فيها أن الإمام يسلم وتقضي الطائفة الثانية بعد سلامه.
والفقهاء لما رجح بعضهم بعض الروايات على بعض احتاجوا إلى ذكر سبب الترجيح فتارة يرجحون بموافقة ظاهر القرآن وتارة بكثرة الرواة وتارة يكون بعضها موصولا وبعضها موقوفا وتارة بالموافقة للأصول في غير هذه الصلاة وتارة بالمعاني وهذه الرواية التي اختارها أبو حنيفة توافق الأصول في أن قضاء الطائفتين بعد سلام الإمام وأما ما اختاره الشافعي ففيه قضاء الطائفتين معا قبل سلام الإمام وأما ما اختاره مالك ففيه قضاء إحدى الطائفتين قبل سلام الإمام.
2- عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات ابن جبير: (عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم).
الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سهل بن أبي حثمة.
هذا الحديث هو مختار الشافعي في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة ومقتضاه أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية قائما في الثانية وهذا في الصلاة المقصورة أو الثنائية في أصل الشرع فأما الرباعية فهل ينتظرها قائما في الثالثة أو قبل قيامه؟ فيه اختلاف للفقهاء في مذهب مالك وإذا قيل بأنه ينتظرها فهل تفارقه الطائفة الأولى قبل تشهده بعد رفعه من السجود أو بعد التشهد؟ واختلف الفقهاء فيه وليس في الحديث دلالة لفظية على أحد المذهبين وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط منه.
ومقتضى الحديث أيضا: أن الطائفة الأولى تتم لأنفسها مع بقاء صلاة الإمام وفيه مخالفة للأصول في غير هذه الصلاة لكن فيها ترجيح من جهة المعنى لأنها إذا قضت وتوجهت إلى نحو العدو توجهت فارغة من الشغل بالصلاة فيتوفر مقصود صلاة الخوف وهو الحراسة على الصفة التي اختارها أبو حنيفة: يتوجه الطائفة للحراسة مع كونها في الصلاة فلا يتوفر المقصود من الحراسة فربما أدى الحال إلى أن يقع في الصلاة الضرب والطعن وغير ذلك من منافيات الصلاة ولو وقع في هذه الصورة لكان خارج الصلاة وليس بمحذور.
ومقتضى الحديث أيضا: أن الطائفة الثانية تتم لأنفسها قبل فراغ الإمام وفيه ما في الأول.
ومقتضاه أيضا: أنه يثبت حتى تتم لأنفسها وتسلم وهو اختيار الشافعي وقول في مذهب مالك وظاهر مذهب مالك: أن الإمام يسلم وتقضي الطائفة الثانية بعد سلامه وربما ادعى بعضهم: أن ظاهر القرآن يدل على أن الإمام ينتظرهم ليسلم بهم بناء على أنه فهم من قوله تعالى: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] أي بقية الصلاة التي بقيت للإمام فإذا سلم من البقية وليس بالقوي الظهور.
وقد يتعلق بلفظ الراوي من يرى أن السلام ليس من الصلاة من حيث إنه قال: «فصلى بهم الركعة التي بقيت» فجعلهم مصلين معه لما يسمى ركعة ثم أتى بلفظ: «ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم» فجعل مسمى السلام متراخيا عن مسمى الركعة إلا أنه ظاهر ضعيف وأقوى منه في الدلالة: ما دل على أن السلام من الصلاة والعمل بأقوى الدليلين متعين والله أعلم.
3- عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة وكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه: انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه- الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى- فقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه: انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم صلى الله عليه وسلم وسلما جميعا.
قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم).
ذكره مسلم بتمامه وذكر البخاري طرفا منه وأنه: (صلى صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع).
هذه كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه تتأتى الحراسة مع كون الكل مع الإمام في الصلاة وفيها التأخير عن الإمام لأجل العدو والحديث يدل على أمور.
أحدها: أن الحراسة في السجود لا في الركوع هذا هو المذهب المشهور وحكي وجه عن بعض أصحاب الشافعي: أنه يحرس في الركوع أيضا والمذهب: الأول لأن الركوع لا يمنع من إدراك العدو بالبصر فالحراسة ممكنة معه بخلاف السجود.
الثاني: المراد بالسجود الذي سجده النبي صلى الله عليه وسلم وسجد معه الصف الذي يليه: هو السجدتان جميعا.
الثالث: الحديث يدل على أن الصف الذي يلي الإمام يسجد معه في الركعة الأولى ويحرس الصف الثاني فيها ونص الشافعي علىخلافه وهو أن الصف الأول يحرس في الركعة الأولى فقال بعض أصحابه: لعله سها أو لم يبلغه الحديث وجماعة من العراقيين وافقوا الصحيح ولم يذكر بعضهم سوى ما دل عليه الحديث كأبي اسحاق الشيرازي وبعضهم قال بذلك بناء على المشهور عن الشافعي: أن الحديث إذا صح يذهب إليه ويترك قوله.
وأما الخراسانيون: فإن بعضهم تبع نص الشافعي كالغزالي في الوسيط.
ومنهم من ادعى: أن في الحديث رواية كذلك ورجح ما ذهب إليه الشافعي بأن الصف الأول يكون جنة لمن خلفه ويكون ساترا له عن أعين المشركين وبأنه أقرب إلى الحراسة وهؤلاء مطالبون بإبراز تلك الرواية والترجيح إنما يكون بعدها.
الرابع: الحديث يدل على أن الحراسة يتساوى فيها الطائفتان في الركعتين فلو حرست طائفة واحدة في الركعتين معا ففي صحة صلاتهم خلاف لأصحاب الشافعي.

.كتاب الجنائز:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا).